الذكاء

هل الذكاء فطــــري أم مكتســـب
؟



التوسيــــع:


القضية:الذكاء فطري (وراثي):

يرجع أنصار هذا الرأي الذكاء إلى الفطرة مستعين في ذلك على البحوث العلمية التي أثبتت أن الجنين يرث صفات أبويه وأجداده في خيوط ملونة تدعى" المورثات" فهي التي تؤثر في خصائص الفرد البشري وتمكن من انتقال بعض الصفات البدنية والاستعدادات النفسية والدوافع الأولية كالانفعالات والذكاء وهذا الأخير هو محورمقالتنا هذه. بالإضافة إلى ملاحظة العالم النفساني الإنجليزي ( بورت) أن ذكاء الأطفال مرتبط بذكاء آبائهم وقد أكد ملاحظته بإجراء اختبارات على تلاميذ مدرستين تتفقان في التربية والتوجيه والمنهج المتبع إحداهما كان معظم تلاميذها من أبناء رجال على حظ وافر من الرقي العقلي والأخرى كان معظم تلاميذها أبناء رجال الحرفين والتجار العاديين فكانت درجات أبناء المدرسة الأخرى أي أن أبناء المشتغلين بالمهن الراقية يتفوقون على أبناء المشتغلين بالأعمال اليدوية .

بالإضافة إلى الملاحظة التي تسجلها العالم البيولوجي ( مورغان) بتفسير اختلاف سلوك الأفراد من حيث القدرات والمهرات بإرجاعه إلى المورثات أو الصبغيات إذ يرى أن انتقال الصفات من الأباء إلى الأبناء عن طريق المادة الموجودة في نواة الخلية والتي تسمى (الصبغيات) والتي هي عبارة عن سلاسل ذات طبيعة برتونية وتعتبر البنية الأساسية( أدن /أرن) (and arn) مسؤولة عن هذه الصفات وقد برهن على صحة رأيه بعدة تجارب استخدم فيها التهجين ، فتبين له انتقال الخصا ئص والصفات يتبع توزيع الصبغيات بدقة كما يرى الفيلسوف ( كلورد برنار) الذي أجرى أبحاثا لاحظ خلالها التشابه الكبير بين ذكاء الأباء وذكاء الأبناء فهذا التشابه لا يوجد بين الأفراد الذين لا تجمعهم صلة القرابــــــة.

وبهذا يمكن القول أن الذكاء وراثي فطري لا يجمع المحيط آو البيئة

مناقـشــة:

إن هذه النظرية لا تخلو من العيوب لكن نلاحظ أن التوأمين الذين ينشأن في وسطين مختلفين يحصلان على قدر متفاوت في القدرات العقلية إذ يمكن أن يكون أحدهما مهندس والثاني يقتحم ميدان مختلف عن أخيه.

ومن جهة أخرى يمكن أن نلاحظ تفوق أبناء المشتغلين بالمهن الراقية وتخلف الآخرين يرجع إلى اختلاف الظروف البيئية التي فيها هؤلاء ولهذا نقول أن إسناد الذكاء إلى الوراثة إسناد غير دقيق فلا بد أن ندخل المحيط والبيئة.

النقيض : الذكاء يرجع إلى البيئة الاجتماعية:

يتفق أصحاب المدرسة الاجتماعية أن الذكاء يرجع إلى عوامل بيئية واجتماعية بالدرجة الأولى وفي هذه الأمثلة عديدة وكثيرة فتربية الطفل فيما يرى (بورم) يبدأ تفوقه في الشهر الثامن وذلك بفضل ما يحصل عليه من رصيد لغوي حيث يعتمد على الأدوات المادية يقول ( بونان) (أن الطفل الذي لا يتكلم وكذا الطفل الذي يتكلم يظهر أنه لا يعود إلى الاختلاف المتمثل في امتلاك اللغة أو عدم امتلاكها) ومثالنا في ذلك أن الطفل ابن ثلاث سنوات إن أراد الحصول على لعبة موضوعة على رفا لا يمكنه الوصول إليها بدون واسطة فإنه لا يذهب إلى الرف مباشرة للأخذ اللعبة قبل أن يحضر واسطة .

نلاحظ في هذا المثال أن الطفل قد حصل على مخطط ذهني يناسب الوضعية التي هو فيها وهذا الإدراك الذهني المتوفر لدى الطفل كان بفضل اللغة واللغة مكتسبة من المجتمع ،ونلاحظ أيضا أن الفنان المبدع ينفذ منجزاته الفكرية عن طريق اللغة بمختلف صورها ولا يمكن الاستغناء عنها حتى وإن لم يستعمل الألفاظ واللغة "مقتبسة من المجتمع كما نلاحظ أننا إذا وضعنا مجموعتين من الأطفال منذ ولادتهم وليكونوا من اليابان ونضع إحدى المجموعتين في بلد نامي والأخرى في بلد صناعي و يولون نفس الاهتمام و العناية فسنجد أن أفراد مجموعة البلد النامي الذين يحصلون على درجات علمية كبيرة لا يزيدون عن كونهم مدرسين في الجامعات أما أفراد مجموعة البلد الصناعي الذين يحصلون على نفس الدرجات العلمية نجد من بينهم المبدعين .

ومن علامات الذكاء أن الإنسان لا يتكيف مع الوسط بل يكيف الوسط فالأدوات المصنوعة لم تعد مجرد واسطة كالعصا بالنسبة للشمبازي إنها أداة صنعها الإنسان من أجل أغراض محددة ولكن صناعة هذه الأدوات تتطلب ثروة عقلية.

ومن هنا يمكن القول حسب هذا التفسير إن انتقال الخصائص والصفات ومنها الذكاء لا يخضع للوراثة إنما يخضع لما يوفره المحيط والبيئة من شروط وطرق .

مـناقـشـة:

نلاحظ أن أصحاب هذه النظرية قد ركزوا على العامل البيئي فقط وهذا غير صحيح فأبناء البيئة الواحدة لديهم تفاوت في الذكاء على الرغم من أنهم يترعرعون في وسط حضاري واحد ويتلقون من المجتمع نفس اللغة وهذا واضح عند الأسـر فأفراد العائلة الواحدة الذين يتلقون تربية واحدة ولغة واحدة إلا أنهم متفاوتون في الذكاء فأحد يدرس ويواصل ذلك أما الأخر يتوقف عن الدراسة لأن ذكاءه لا يسمح له بذلك رغم توفر نفس البيئة .

الـتركـيب:

إن الذكاء في أصله وراثي حيث يرث الإنسان من أبويه وأجداده مقدار الصفات و القابليات لكنها تبقى كــــامنة ما لم يتدخل المحيط أو البيئة الاجتماعية لابرازها وتمييزها وتنميتها إذ أن التربية الجيدة والتوجيه الفني يساعدان على إبراز وتنمية الذكاء .

الخاتـمـة:

نجد اختلاف أنصار الوراثة والبيئة حول مشكلة الذكاء بعد عرضنا لآرائهم نستخلص أن ذكاء الفرد يتوقف على أثر كل من الوراثة والبيئة وتفاعلهما حيث أن الطفل قد يرث صفات أبيه وذكاءه لكنه يبقى كامنا ما لم تتدخل البيئة في إبرازه .

وتمنياتي للجميع بالتوفيق